حديث أبي هريرة القدسي، يقول الله تعالى: "يا ابن آدم تفرّغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسدّ فقرك, وإن لم تفعل ملأت صدرك شغلاً ولم أسدّ فقرك", في هذا الحديث جواب للذين يسألون عن أوقات الصلاة إذا فرض فيها شغل دنيوي كالمعلّمين وتلامذة المدارس, والموظفين في الإدارات, وفي سائر الأعمال إذا دخل وقت العصر, هل يتفرّغون لعبادة الله لمدة خمس دقائق ويؤدون فريضتهم, ويدعون شغلهم جانباً, فإن فعلوا ذلك ملأ الله صدورهم وأيديهم غنى, وأزال فقرهم الحسي والمعنوي, فالمعنوي هو فقر القلب وجزعه, وشغله بالتفكير في الرزق, أو في أيّ وسيلة التي يظن أن الرزق يأتي بسببها, وإن هم لم يستجيبوا لدعوة الله, وتمادوا في شغلهم, وأعرضوا عن صلاة العصر وحدها؛ لأنها هي التي تجيء عادة في وسط الأشغال وبها يمتحن المؤمن، فإن كان صادق العزم ثابت اليقين وقف الشغل الدنيوي من بيع وشراء وعمل في مزرعة أو مصنع، أو مدرسة أو مختبر، أو غير ذلك, وتفرّغ لعبادة الله واستجاب لدعوته، فيزيده الله قوة إلى قوته, ويملأ صدره غنى وثقة به، وذلك هو الظفر والنصر المبين، وإن كان خائر العزم، ضعيف الإرادة، كبر عليه ترك شغله وخيّل له أنّ في تركه خسارة لا تعوّض، فيستمر في شغله عاصيا ربه، خائنا دينه، خائسا بعهده، فحينئذ يمتليء صدره غمّاً وشغلاً يلازمانه أبداً.
أخرج البخاري في كتاب المواقيت من صحيحه عن أبي المليح قال: "كنّا مع بريدة في غزوة في يوم ذي غيم فقال: "بكروا بصلاة العصر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ترك صلاة العصر حبط عمله".
وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله".