شروط نجاح الخوصصة في الجزائر
بالرغم من بعض السلبيات التي تواجه عملية الخوصصة و تحد من إنطلاقها في المرحلة الأولى من عملية التحول التي تحدث لعلاج الخلل و القصور في هيكل الإقتصاد ... إلا أنه توجد مجموعة من المقومات و العوامل الإيجابية التي لو تم التركيز عليا و أحسن إستخدامها لأتت ثمارها المرجوة في الإنطلاق العلمي نحو تطبيق أسلوب الخوصصة و التوسع فيه بشكل الذي تتطلبه عملية التحولات في هذا الشأن لعلاج الإقتصاد الحقيقي في شقه الإنتاجي .
و سيتم التركيز في الإشارة إلى هذه الشروط حسب أبعاها المختلفة و على الوجه الآتي :
ا-البعد المالي المصرفي :
يتعاظم دور البنوك والجهاز المصرفي بشكل عام في قيامها بدور غير تقليدي في المعاونة في إتمام و إنجاح عملية الخوصصة ، سواء في مساعدة الشركات القابضة و الشركات التابعة في تنفيذ عمليات بيع الأسهم المملوكة لكل منها بدءاً من الترويج و التسويق لبيع الوحدات الإنتاجية المملوكة لهذه الشركات و الأسهم المعروضة ، وحتى إعداد عقود البيع اللازمة في هذا الشأن .
وكذلك العمل على تنشيط سوق رأس المال و تعظيم عائد محافظ الأوراق المالية للبنوك و التي من المنتظر أن تتضخم بشكل غير عادي نتيجة الدخول كمساهمين في رؤوس أموال الشركات التي سبق منحها قروض بقيمة هذه القروض أو جزء منها .
ويمكن تلخيص المهام الرئيسية للجهاز المصرفي في القيام بدور نشيط في عملية الخوصصة في النقاط الآتية :
- تقييم الشركات و إعداد دراسات الجدوى اللازمة التي تتضمن إحتمالات تطور هذه الشركات من خلال التدفقات المالية المتوقعة ، و تحديد القيمة الأساسية لأسهم هذه الشركات ... و يتطلب ذلك تحليل المراكز المالية و إستخراج المؤشرات المالية و الإقتصادية حتى تتضح الصورة أمام المستثمرين لإتخاذ القرارات المناسبة لهم .
- ترويج و تسويق الأسهم و يستلزم ذلك وجود كوادر مصرفية قادرة على تفهيم العميل موقف أسهم كل شركة من الشركات بإعتباره مستشارا ماليا و إقتصاديا له ، ويقتضي الأمر القيام بحملة إعلامية لإيضاح مميزات إقتناء الأسهم للمستثمرين العاديين غير المحترفيين متضمنه ما سيحصل عليه من عائد نقدي من التوزيعات النقدية التي تجربها الشركات على الأسهم و المنتظر زيادتها في السنوات القادمة بأسعار الفائدة على الودائع ، و الزيادات المباشرة في قيمة السهم نتيجة التدعيم المستمر له من الإحتياطات و الأرباح المرحلة بما ينعكس على زيادة القيمة الدفترية للسهم، فضلا عن الزيادات غير المباشرة في قيمة السهم نتيجة إرتفاع قيمة أصول الشركات .
- تمويل شراء الأسهم نفسها ، عن طريق تقديم قروض لكبار العملاء و المستثمرين و ذلط بغرض شراء أسهم من تلك التي تقوم الشركات بطرحها، و توجيه العملاء إلى الإستثمار في هذه الشركات حسب طبيعة كل منها و إمكانيات العملاء .. هذا بإضافة إلى تقديم قروض إلى نقابات العمال لتمليك العمال جزء من هذه الأسهم .
- دراسة إصدار صكوك تمويل الشركات لتغطية إحتياجاتها التمويلية ، و إمكانية تحويل هذه الصكوك إلى أسهم في رأس مال .
- إنشاء صناديق إستثمار تهدف إلى إستثمار المدخرات في الأوراق المالية .
- إدارة محافظ الأوراق المالية ، و يمكن للبنوك أن تقوم بشراء أسهم بعض الشركات حتى يتم إعادة هيكلتها و إعادة طرحها للبيع مرة أخرى.
- هذا بجانب تقديم الخدمات الإستشارية المتخصصة بشأن شركات الأعمال .
ويستلزم ذلك بطبيعة الحال إجراء دراسات متعمقة لسوق رأس المال و إمكانياته الإستعابية الحالية والمستقبلية و العمل على خلق جو من الثقة و الطمأنينة في هذا المجال بما يساعد على تنشيط هذه السوق و التي تعلق عليها الآمال في القيام بدور جوهري في هذه العملية .
وتتطلب هذه الأمور أيضا ضرورة توافر الكوادر الفنية المتخصصة في هذه المجالات و التي تتميز بالفكر المصقول المتطور الذي يستطيع التعامل مع متطلبات المرحلة المقبلة بإدارة حكيمة واعية.
وقيام البنوك بهذا الدور يعتبر وظيفة حيوية من وظائفها بإعتبارها الدعامة العامة في الإقتصاد القومي ، و تلعب فعلاً دوراً رئيسياً في برنامج الإصلاح إلمالي و النقدي كما سبق أن أسلفنا.
ب- البعد الإجتماعي :
وهو من أكثر الأمور حيوية و حساسية ، فهو يتعلق في المقام الأول بالعمالة الزائدة و التي ستضطر الأمور بطبيعة الحال إلى الإستغناء عنها طبقا لأسس الإدارة الإقتصادية الجديدة ، حيث أن المشترين لتلك الشركات أو الذين سيقومون بعملية التصفية سيخفضون العمالة الموجودة إلى الحد الذي يمكن من الإستغلال التجاري الأمثل و ذلك بعقلية رجال الأعمال ووفقا للمعايير المتعارف عليها في كل نشاط من الأنشطة التجارية والإقتصادية .
و هذا الأمر ليس من السهولة بمكان ، إذ ستقف النقابات العمالية بكل تقلها في مواجهة تلك التصرفات ، بإعتبار المصالح الشخصية المكتسبة لهؤلاء العمال و تنظيم أمورهم الحياتية و إرتباطها الكامل بالدخول المتولده مباشرة من أجورهم و مرتباتهم.
ولذلك يجب أن يعالج هذا الوضع بكل حكمة ، حيث أن الأمر لا يتعلق فقط بالشق الإنتاجي و تعديل هيكله ، بل أن هؤلاء العمال يمثلون جانبا كبيراً من الطلب الذي يؤثر بشكل إيجابي على عملية التسويق .
و تلعب الصناديق الإجتماعية دوراً حيوياً في هذا الشأن سواء من ناحية التدريب التحويلي لتلك العمالة الزائدة بحيث يمكن أن تجد مجالات أخرى نشطه تستطيع من خلالها المحافظة على دخولها الحالية أو حتى زيادتها في بعض الأحيان..هذا فضلا عن التعويضات المناسبة التي يجب الإتفاق عليها.
ولذلك فإن الوضع لا يجب أن يترك هامشا للتصريحات المختلفة ، بل العمل على تحديد قواعد ثابتة لهذه التعويضات و يتم الإتفاق بشأنها مع نقابات العمال، التي يجب أن تضطلع بدورها الحقيقي في مجال التنمية و المساهمة في خلق مجالات جديدة لهؤلاء العمال.. و كذلك فإن نقابات العمال وإتحاداتها تملك إمكانيات هائلة لإنجاح أسلوب الخوصصة .
ج- البعد الإعلامي والتنويري :
لا يكتمل برنامج الإصلاح الإقتصادي بوجه عام إلا في ضوء خطة إعلامية تنويرية علمية مدروسة بعناية تامة و متكاملة الجوانب الفنية و السلوكية و البئية حسب الفئات التي يتم مخاطبتها من خلال رسائل موجهة ترد على كافة التساؤلات المطروحة و إستفسارات المتسائلين ، وأيضا مواجهة المتشككين بجدوى هذه الإصلاحات بقصد أو عن غير قصد .
وحيث أن مجال الإستثمار في شراء الأسهم و السندات لم يلق بعد الإهتمام الكاف لغياب الدور الفعال لبورصة الأوراق المالية و التجارية في غالبية هذه الدول ، وأن تنشيط سوق رأس المال ليس بالألمر الهين ، إذ أن ذلك يرتبط بجوانب التقةو الإطمئنان و كذلك العادات والسلوكيات التي ترتبط بجوانب الثقة و الإطمئنان و كذلك العادات والسلوكيات التي ترتبط بكل فئة من فئات المجتمع حسب الثقافة و الميول الشخصي .
لذلك فلا بد من تكوين رأي عام إيجابي حول عملية الخوصصة عن طريق إعداد المقالات و التحليلات التي يعرضها كبار المتخصصين و الخبراء في شرح جدوى و أهمية هذا البرنامج في علاج الأمراض المزمنة التي عانى منها الإقتصاد الوطني خلال الفترة الماضية، و النظرة المستقبلية لعملية الإصلاحات التي تهدف إلى المزيد من التنمية ورفع مستوى الدخول لفئات الشعب بكافة طبقاته .. و توضيح نماذج عملية للدول التي طبقت هذا الأسلوب و ما حالفتها من نجاحات في مختلف المجالات التنموية .
و يجب الإستفادة في هذه الحملة التنويرية من كافة الوسائل الإعلامية السمعية و المرئية و المقروءة ، على حسب إمكانياتها و مدى تأثيرها ، بحيث يتولد تيار متدفق من الفكر المؤيد لعملية الخوصصة يساعد بطريقة إيجابية في توسع في تطبيق هذا الأسلوب مرحلة بعد أخرى و حسب البرنامج المحدد .
ناهيك عن النجاحات التي تحققها مرحلة من مراحل التطبيق تكون بمثابة الداعية الواعية التي تساهم في خلق الجو العام المؤيد للأخد بهذا النظام كوسيلة من وسائل الإصلاح الإقتصادي .
تعبئة الرأي العام لصالح التحول نحو إقتصاد السوق :
من المتفق عليه أن التحول نحو نظام إقتصاد السوق ليحل محل نظام إقتصاديات التخطيط المركزي ، و إحلال الملكية الخاصة محل الملكية العامة ، و إحلال القطاع الخاص محل القطاع العام ، وإستبدال الأدوات السعرية لتحل محل الأدوات الكمية ، إنما تشكل في واقع الأمر تحديات كبيرة لنظم و أعراف إقتصادية مستقرة ، و مصالح و أوضاع إقتصادية و إجتماعية تهم طبقة عريضة داخل المتجتمع. لهذا فمن الطبعي أن يتحرك أعداء النجاح و أصحاب المصالح لإحباط موجة التغيير الجدرية التي يشهدها هذا المجتمع .
وتدلنا تجارب الخوصصة في كل من الدول النامية و دول إقتصاديات التخطيط المركزي داخل أوروبا الشرقية و الإتحاد السوفياتي المنحل أن هناك فئات سرعان ما تتحرك لإجهاض الجهود المتصلة للإصلاح الإقتصادي وفقاً للبرامج المتفق عليها مع المؤسسات النقدية الدولية . هذه الفئات هي :
1. اليسار من الشيوعيين و الإشتراكيين الذين ظلوا يحكمون هذه الدول لعقود زمنية عديدة خلال القرن العشرين .
2. القيادات الإدارية و جيش الموظفين المنتفعين من وجود القطاع العام ، و المستفدين من الحافظ عليه .
3. الطبقة العاملة التي تخشى على أوضاعها الوظيفية ، أو تخاف من فقدان وظيفتها تحت إطار البرنامج القومي للخوصصة .
4. جمهور المستهلكين الذي يخشى من الموجات المتصلة من إرتفاعات الأسعار نتيجة لتخلي الدولة عن السياسات التسعير لمنتجات القطاع العام .
و من المحتمل أن تجد حملات البلبلة و التشويه التي يثيرها أعداء النجاح صدى واسعاً بين العامة منهم ، و أصحاب الدخول المنخفضة ، و جيش المعطلين الذي لا يجد فرصاً للعمل في المرحلة الأولى لتطبيق برامج الإصلاح الإقتصادي . بل إنه من المتوقع أن تلعب القيادات الإدارية المؤسسات العامة دوراً معوقاً لحركة الخوصصة نتيجة للمخاوف التي يتعرضون لها من إحتمال حدوث تغييرات واسعة النطاق في المناصب الإدارية أثناء إصلاح المؤسسات العامة ،أو بيعها للقطاع الخاص. بل الملاحظ أن تجارب الخوصصة في الدول المختلفة أفادت في أنهم لعبوا دوراً كبيراً في تحريض العمال على مقاومة التغيير من خلال إطلاق الإشاعات، و تسريب أخبار البرنامج القومى للخوصصة أولاً بأول.
وتدلنا خبرة الخوصصة الدولية التي إستعرضناها في أكثر من موقع إلى تعبئة الرأي العام لمساندة برامج الإصلاح تعد شرطاً جوهريا لنجاحها في كل من الدول النامية و دول أروبا الشرقية و جمهوريات الإتحاد السوفياتي المنحل على حد سواء. و يقصد بتعبئة الرأي العام كافة الجهود المبذولة لتبصير كافة المهتمين و المتعاملين مع المكونات المختلفة لبرنامج الإصلاح بالمزياالتي سوف تجنيها بعد إكتمال المراحل المختلفة له ، و أن المصاعب التي تعانيها هذه الفئات المختلفة إنما هي مراحل مؤقتة تزول في الأجلين المتوسط و الطويل ، بمعنى أنها ذات طبيعة موقتة ترتبط بالأجل القصير فقط . ويرتكز برنامج تعبئة الرأي العام لمساندة برنامج على المحاور التالية :
خلق الولاء و التأييد من جانب العاملين في المؤسسات العمومية المحولة إلى الملكية الخاصة من خلال شرح المزايا المختلفة التي يحققونها من وراء بناء قاعدة إرتكازية قوية لنظام إقتصاد السوق . و من المؤكد أن بيع حصة من أسهم هذه المؤسسات للعاملين بها تحت مسمى "نظام الحصص الممتازة " يعتبر خير وسيلة لجذب العاملين إلى صف برنامج الخوصصة . معنى ذلك أنه يمنح كل عامل عددا من الأسهم و ليكن على سبيل المثال خمس مائة سهم بشروط تفصيلية . يتم بيع المائة سهم الأولى بالسعر العادي للسهم ، و المائة سهم الثانية ب 75% من قيمة السهم العادي ، و المائة سهم الثالثة ب50% من قيمة السهم العادية ، و المائة سهم الرابعة ب 25% من قيمة السهم العادية ، أما مائة السهم الأخيرة فتمنح مجاناً لمن إشترى الأربع مائة سهم الأولى . و من خلال نظام الأسهم الممتازة تنشأ علاقة ولاء و تأييد من جانب العاملين لبرنامج الخوصصة .
تبصير نواب الشعب بكل تفصيلات البرنامج الوطني للخوصصة و الضرورات التي دفعت الدولة إلى تبني هذا البرنامج ، و المزيا المختلفة التي تجنيها من وراء تطبيق هذا البرنامج في الأجلين المتزسط والطويل ، و إقناعهم بالطبيعة الوقتية للصعوبات التي تواجهها الغالبية العظمى من الشعب نتيجة لتحويل الملكية العامة إلى الملكية الخاصة في إطار برنامج شامل للإصلاح الإقتصادي. و يتطلب الوصول إلى تأييد هؤلاء النواب أن تلتزم الحكومة بالصدق و الأمانة في عرض الموضوعات ، و أن تشركهم في كل الخطوات المتعلقة بالبرنامج ، و أن تحاول الإستماع إلى وجهات النظر المختلفة ، و التوفيق بينها، و إختيار أكثر الحلول تمشيا مع آراء الإتجاهات البرلمانية المختلفة .
الوصول إلى جمهور المستهلكين و طمأنتهم بقرب زوال الصعوبات و الآثار الجانبية التي تمخضت عن تطبيق الشامل لبرنامج الإصلاح الإقتصادي . كذلك على الحكومة أن تتبنى عدداً من المشاريع الإجتماعية مثل التأمين الصحي ، و التأمين ضد البطالة و تبني برنامجاً وطني لمكافحة البطالة و توسيع نشاط المؤسسات الصغيرة و تمليكها للشباب و تتطلب هذه النقطة الأخيرة القضاء على النظام البيروقرطي المعوق للمبادرات الطموحة حيث أن غالبية هذه الدول قد أبتليت بأنظمة ديكتاتورية و بيرقرطية ، كون أن هذه الأنظمة تجرد العمال فيها من الولاء و الوفاء و كافة الأحاسيس الوطنية . و من هنا فإن إتخاذ الحلول الجدرية الكفيلة بمقاومة هذه المظاهر السلبية تولد نوعاً من الإطمئنان و الطمأنينة لدى عامة الشعب .
الإستقرار السياسي والإجتماعي :
تدل تجارب الإصلاح الإقتصادي و الخوصصة في عدد من الدول النامية و على الأخص في كل من تركيا وسريلانكا و الشيلي ، و دول أروبا الشرقية وجمهوريات الكومنوالت الجديدة على الأهمية الكبرى للإستقرار الأوضاع السياسية والإجتماعية للدول التي تتجذ من الإصلاح الإقتصادي و الخوصصة منهاجاً لإعادة تنظيم حياتها الإقتصادية و أسلوباً لإعادة ترتيب أوضاعها الإقتصادية على طريق بناء نظام إقتصاد السوق و التنفيذ الكامل لبرامج الخوصصة بل إنه يمكن القول أن المقارنة بين المناخ السياسي السائد في السبعينات و المناخ السياسي الذي حل محله في تركيا في الثمانينات يظهر لنا الدور الكبير الذي تلعبه الأوضاع السياسية و الإجتماعية في إنجاح الجهود الرامية للإصلاح و التنمية الإقتصادية . فلقد سادت موجات من العنف و الإرهاب خلال حقبة السبعينات بين اليسار المتطرف واليمين المتطرف ( الأصوليون الإسلاميون ) ، مما وضع البلاد على شفا حرب أهلية و أدت هذه الأوضاع المتدهورة إلى هروب رؤوس الأموال الوطنية التركية إلى الخارج ، و عدم إقبال الإستثمارات الأجنبية على إقامة مشاريعها داخل الإقتصاد التركي . و كانت النتيجة الحتمية لكل ذلك هو تدهور معدلات الأداء الإقتصادي ، و تزايد حدة موجات التضخم ، و زيادة معدلات البطالة و لقد كان ذلك دافعا إلى إستلاء الجيش التركي على السلطة ، و حل الأحزاب الساسية التي كانت قائمة قبل ذلك ، و تأجيل عودة الحكم المدني لفترة إنتقالية بلغت حوالي خمسة سنوات . و خلال هذه الفترة الإنتقالية قام الجيش بتوفير الإستقرار السياسي ، وتهيئة المناخ الإجتماعي حتى تستطيع برامج الإصلاح الإقتصادي التي توصلت إليها الحكومة التركية قبل تولي الجيش للسلطة في عام 1980 بأن تجد فرص النجاح اللازمة لتطبيق هذا البرنامج . و لقد أظهرت الفترة 1980 ـ 1985 أهمية التوافق السياسي و الإجتماعي بإعتباره شرطاً لازماً لتوفير البئة الإقتصادية المناسبة لتنفيذ برامج الإصلاح المختلفة و على جانب آخر تدلنا تجرب الإصلاح الإقتصادي في سريلانكا أن غياب الإستقرارالسياسي و الإجتماعي كان سبباً جوهرياً في فشل هذه البرامج خلال حقبة الثمانينات . فلقد أدت الصراعات العرقية بين الطوائف المختلفة التي يتكون منها الشعب السريلانكي إلى حدث عقبة في توفير الحد الأدنى من الإستقرار السياسي و الإجتماعي اللازم في نجاح جهود الإصلاح الإقتصادي . فلقد هرّبت رؤوس الأموال إلى الخارج ، وحاقت الأخطار و المخاوف بالإستثمارات فمنعتها من الدخول إلى الإقتصاد السريلانكي ، و باءت جهود الخوصصة بالفشل ، و إنتشر الفساد وعمت الرشوى و الفوضى كافت مظاهر الحياة في هذا المجتمع الأسياوي و تدهور معدلات الأداء الإقتصادي بالقارنة بغيرها من الدول الآسياوية المجاورة بل أكثر من دلك فإنه يمكن الإشار إلى أهمية الإستقرار السياسي و الإجتماعي في نجاح تجرت الإصلاح الإقتصادي في الإقتصاد الماليزي خلال حقبتي السبعينات و الثمانينات . فمن المعروف أن ماليزيا قد تعرضت لموجات من الإضطرابات العرقية بين طوائف المجتمع الماليزي و بنجاح الحكومة في خلق أواصر الوحدة الوطنية بين هذه الفئات المتصارعة ، و الأخد بنظام الحكم الفدرالي للإرضاء كافة الطوائف العرقية ، و إستقرت الأوضاع السياسية و هذأت الخلافات العرقية ، و إلتفت الفئات التي كانت متصارعة في السبعينات ببرامج طموحة قوية للإحداث النهضة الإقتصادية الماليزية الكبرى ، جاءت النتائج مبشرة للغاية ، و ساهمت رؤوس الأموال الوطنية في بناء الإقتصاد الماليزي ، و تدفقت رؤوس الأموال الأجنبية المباشرة إلى داخل الحدود الماليزية لتلعب دوراً هاماً في بناء الصناعة الحديثة والمتطورة في هذه الدولة الآسياوية .
و تصدق نفس الملاحظة على الإقتصاد الشيلي الذي شهد موجة من التأمينات للشركات المتعددة الجنسيات الهاملة في قطاع الصناعات الإستخراجية في حقبة الستينات في عهد الزعيم الراحل "السيلفادور الليندي" و ما تبعها من موجة عارمة من التأميمات للمؤسسات القطاع الخاص كجزء من التحدي للإمبريالية العالمية ، و أنشأت الدولة في هذه الفترة قطاعاً عاماً ضخماً تحيطه المشاكل و الإضطرابات السياسية الدخلية و الخارجية ، و نشطت حركة المعارضة بزعامة القوى اليمينية و المعتدلة بتأييد من الويات المتحدة الأمريكية إلى أن تمت الإطاحة بحكومة "السيلفادور الليندي" و حرصت الحكومة الجديدة على توفير الأمان والإستقرار السياسي و الإجتماعي للمجتمع الشيلي . و كان ذلك المناخ الجيد أحد العوامل القوية وراء تنفيذ برنامج وطني ضخم للخوصصة عن طريق طرح عدد كبير من مؤسسات الدولة للبيع ، و إستخدام حصيلتها في سداد ديون حكومة الشيلي ، و تحسين و توسيع البنية التحتية